المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شاعر هندي .. أحيا أمة وأقام دولة



saeed2005
10-06-2009, 09:01 AM
المسلم مثله مثل السمك في البحر، عالم الإنسان كله مثل البحر، السمك لا يعرف السدود ولا الحدود، ولا يعلم أين ينتهي خليج البلقان ولا أين يبتدئ بحر الهند، ولا كيف يجري البحر المتوسط.. وهكذا المسلم فهو لا يؤمن بالحدود ولا يعرف السدود.. له وطن واحد هو الإسلام".

"نحن مسلمون لا أفغان ولا أتراك ولا تتار.. نحن كالورد نظهر في غصن واحد ويرويه ربيع واحد، تمييز اللون والدم حرام علينا"، "إذا اختلف وتصادم الدين والوطن وخيرنا بين الولاء للوطن أو الإخلاص للدين، فإن الدين سيكون فـي المقام الأول".

"في الأقوام المغلوبة يموت الذوق، يموت الشوق، فهم لا يفرقون بين السم والعسل، فكل فرد من الأقوام المستعمرة كالميت الذي يحمل نعشه على كاهله ويفتش عن قبره.. هو ظاهريا يحيا ولكنه معنويا ميت".

"أيها الغافل.. أيها الأحمق.. أنت تظن وتأمل أن يفهمك الغرب؟ أنت طائر في مخالب الصقر، فهل تظن أن الصقر سيفهم وسيسمع لطائر في مخلبه؟ صحيح أنني أعادي الغرب والاستعمار، ولكني لا أرضى ضعفك ولا سكوتك.. هذا ضعف خلقته أنت ولهذا فأنت أيضا مسئول".

بتلك العبارات يستطيع القارئ أن يتعرف إلى قائلها شاعر الإسلام وفيلسوف الثورة "محمد إقبال".. ويتعرف إلى رؤيته في مفاهيم كثيرة تتعلق بقيم الحياة العليا.

وفي إطار الاحتفال بذكرى إقبال أقامت السفارة الباكستانية في سوريا وبالتعاون مع وزارة الثقافة السورية مايو 2009 ندوة فكرية شارك فيها لفيف من كبار العلماء، كما استضافت البروفيسير محمد منور مدير أكاديمية محمد إقبال في باكستان.

"مدارك" دعت بتلك المناسبة لندوة حول إقبال في محاولة لإدراك بعض المفاهيم لدى إقبال وكيفية معالجته لها.

الندوة شارك فيها د. محمد منور والباحث الفلسطيني د. حسين عمر حمادة.. وهذه تفاصيلها:

المسلم والحدود

* بداية هل يمكن أن نتحدث عن مفهوم القومية عند محمد إقبال؟

** منور: هنالك فرق واضح بين مفهوم القومية عند الغرب ومفهومها عند العلامة إقبال، فالقومية الغربية تأسست على عدة مقومات أساسها الأرض، الوطن، القرابة، اللغة، أو اللسان.

يقول إقبال: مولانا محمد (صلى الله عليه وسلم) حل عقدة القومية بهجرته من وطنه في مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، فلو كان الوطن هو الأساس في القومية لدى المسلمين لما هاجر إلى المدينة، وبالتالي إذا اختلف وتصادم الدين والوطن وخيرنا بين الولاء للوطن أو الإخلاص للدين فإن الدين سيكون فـي المقام الأول.

أما عن القرابة وهي نقطة تلي الوطن من حيث الأهمية في مفهوم الغرب، فليس لها مكان في المبادئ الإسلامية، وغزوة بدر خير دليل على هذا، ولو كانت القرابة هي الأساس والأقوى لكان أبو جهل وأبو لهب وعتبة وأمثالهم ثراة الأمة وثراة القومية.. ولكن الإسلام لم يكن هكذا.

أما اللسان واللون، وهما أيضا من مقومات القومية في المفهوم الغربي، بينما في الإسلام كلنا يعلم مكانة بلال الحبشي وسلمان الفارسي.. يقول العلامة إقبال: النبوة المحمدية جاءت لأخوة آدم، وعليك أن تشهد على هذا الأمر بعملك، والمسلم مثله مثل السمك في البحر، عالم الإنسان كله مثل البحر، السمك لا يعرف السدود ولا الحدود، ولا يعلم أين ينتهي خليج البلقان ولا أين يبتدئ بحر الهند، ولا كيف يجري البحر المتوسط، وهكذا المسلم، فهو لا يؤمن بالحدود ولا يعرف السدود.. له وطن واحد هو الإسلام.. فهذا ابن بطوطة مثلا ولد وترعرع في طنجة بالمغرب، وأصبح رئيسا للوزراء في تنبكة، وفي الهند عينه السلطان محمد طوغلق قاضي القضاة ثم جعله سفيرا للهند في الصين.

فالجنسية لم تكن شيئا مميزا في الإسلام، ولو كانت الجنسية البغيضة التي فرضت وسلطت علينا هذه الأيام من تقليدنا للغرب لما كان لـ"عز الدين أيبك" التركي أن يأتي إلى مصر ويؤسس سلسلة سلاطين المماليك، ولا كان لقطب الدين آبك أن يذهب إلى الهند ويؤسس فيها دولة للمماليك، سبقت دولة المماليك في مصر بـ40 عاما.

يقول إقبال: نحن مسلمون لا أفغان ولا أتراك ولا تتار.. نحن كالورد نظهر في غصن واحد ويرويه ربيع واحد، تمييز اللون والدم حرام علينا، هواء الربيع الواحد خلقنا وربانا كلنا، فأرواحنا مضطهدة أينما كانت، فالتمييز ليس عندنا.


محمد منور

ولكن في الغرب الفرنسي فرنسي والإنجليزي إنجليزي، الفرنسي لا يفتخر ببسمارك، والإنجليزي لا يفتخر بنابليون، ولكن إذا نحن ذهبنا إلى إندونيسيا وذكرنا صلاح الدين الأيوبي لوجدناهم يفتخرون به، في أي بلد إسلامي يفتخرون بصلاح الدين، وأذكر في إحدى المرات أنني كنت أتحدث مع صديق لي من العراق، وأتيت على ذكر السلطان الهندي محيي الدين أرمزية وتابعت الحديث، فقاطعني وقال: قل: رحمه الله، فقد كان ملكا صالحا.. لماذا لم تقل رحمه الله؟!
هذه الرابطة لا يمكن أن تكون إلا رابطة روحية، ولهذا يقول كينيث وول سميث، رئيس المعهد الإسلامي في كندا: لا نستطيع أن نكتب تاريخ المسيحية مثلما نكتب تاريخ الإسلام؛ لأن سلسلة أبطال الإسلام واحدة والثقافة الإسلامية واحدة ومركز الإسلام "الحج" واحد.


وهذا كان مبدأ إقبال حيث كان يقول أنا للأمة، والأمة ينضم فيها كل عالم الإنسان، ولكن في القومية التفرقة والبغض وسفك الدماء.


بين المادة والعقيدة

** حسين عمر: إن مفهوم إقبال للقومية بمعناها الأوروبي على أنها كانت تتضمن بذورا مادية، والانتماء عنده إنما ينبغي أن يكون للثقافة والعقيدة والأثر التاريخي والحضاري المشترك.

ولكن وطن إقبال أيضا لم يكن ليبنيه في الفراغ، ولم يكن ليبنيه في أوطان الآخرين، كان إقبال يشجع ويحث على مطالعة تواريخ الشعوب، واستكناه أبعادها بالمعرفة، والبحث بالمنهج العلمي الدقيق لتواصل الحركات التاريخية ماضيا وحاضرا ومستقبلا.. يقول إقبال: "لا تقطع خيط الماضي عن الحاضر والمستقبل إن أردت الحياة الأبدية"، بهذا فهم إقبال التواصل الحضاري والتاريخي والإرث المشترك فيما بين المسلمين.


إن قومية إقبال إذن تبدأ منذ بعثت دولة الإسلام الفكرة والواقع في شبه القارة الهندية منذ سنة712م.

لقد قرأ إقبال سيرة القادة العظام الذين قادوا الفتوحات المنتصرة في شبه القارة الهندية، وهم كثر، أسسوا ممالك كثيرة اختلفت في المسميات واتفقت في الفكرة الأساسية، وهي عقيدة الإسلام، هذا التواصل وهذه الممالك التي كانت متصلة على أرض شبه القارة الهندية تواصلت بمفهومها العقدي على أنها سلسلة من الحلقات الحضارية الإنتاجية المتصلة.

لكن إقبال الذي جسد دولة باكستان الفكرة، وبمؤازرة محمد علي جناح الذي طبقها في الدولة، شعر في مرحلة معينة ومحددة أنه مفترق عن أهله وبني جلدته من الهنادكة.. إقبال الذي حارب مع الهنادكة ضد الإنجليز شعر وتيقن بالدليل الحسي المادي أن المسلمين تعرضوا للمهانة والاضطهاد والإذلال بسبب عقيدتهم؛ لأن العقيدة الإسلامية –وهذه نقطة افتراق وعدم التقاء– هدمت قواعد الهندوسية الفكرية الفلسفية والاجتماعية، فضلا عن تدهور أوضاع المسلمين الاقتصادية نتيجة سد أبواب العمل.

الناحية الثانية كانت قيام حركة "شدهي" لتحويل المسلمين إلى الهندوسية، وقام الممولون الكبار من الهنادكة بعملية الصرف المنظم والمستمر والواسع على هذه الحركة، فقد كانوا يريدون أن يقتلعوا الإسلام من جذوره في شبه القارة الهندية.

** منور: كان الإنجليز منذ أن وطئت أقدامهم البلاد الهندية في القرن السابع عشر وقبل أن يهدموا صرح الإمبراطورية الإسلامية سنة 1857م يعتمدون على الهنادكة في تسيير سياستهم؛ لأنهم كانوا يعلمون بأن المسلمين لن يخلصوا لهم لأنهم سلبوهم ملكهم، ولكن الهنادكة كانوا مخلصين للإنجليز وكانت كل سياستهم تدور حول الاستيلاء على الهند مباشرة أو تحت حكم الإنجليز.

وقد خدع كثير من المسلمين في بادئ الأمر بالمؤتمر الهندي وانضموا إليه؛ لأنهم ظنوا أن الهنادكة يعملون للوطن وليس للهندوكية، ولكن العلامة إقبال أدرك أنه من المستحيل أن يعمل الفريقان معا لخدمة الهند ومصالح أهلها كلهم من غير تفريق بين دين وآخر، وكان من دعاة خلق دولة إسلامية وأخرى هندوكية.

وقد فهم بعض زعماء المسلمين –ولو أنهم تأخروا- هذه الحقيقة وعملوا برأي العلامة إقبال، وطالبوا الإنجليز بذلك حين أجبروا على ترك البلاد بين المسلمين والهنادكة، وفي مؤتمر (الله أباد) عام 1920م، وكان رئيسه العلامة إقبال، حيث نادى في خطبته الافتتاحية بضرورة إقامة دولة إسلامية وأخرى هندوكية، وأصر على ذلك؛ لأن لكل من الفريقين آدابا وأخلاقا وعادات وعقائد تختلف عن الفريق الآخر، وأن الهنادكة -على الرغم من أنهم كانوا يعيشون في ظل الإمبراطورية المغولية وغيرها من الممالك الإسلامية التي ظهرت في الهند عيشة سعيدة يلقون فيها كل احترام ومحبة وتكريم من قبل المسلمين- كانوا حاقدين على المسلمين؛ لأنهم انتزعوا منهم ملايين الهنادكة الذين اعتنقوا الإسلام طائعين مختارين، وقد تأثر كثير من الزعماء بأقوال إقبال، فأصبحوا يفكرون بدولة إسلامية وليس سواها.

** حسين عمر: إضافة إلى ما تفضل به الدكتور منور فإن باكستان الدولة أنشأت باكستانات أخرى في المنطقة.. أرض الأطهار تعددت.. ولولا باكستان لما وجدت الباكستانات الأخرى في الفلبين، وفي تايلاند.. كل مجموعة إسلامية تريد الانفصال الثقافي، وهنا أريد أن ألفت النظر إلى نقطة مهمة، وهي أن هذه المجموعات لا تريد الانفصال الجغرافي، ولكنها تريد الانفصال بالمعنى الثقافي العقدي والديني، هاهم الزنوج المسلمون في الولايات المتحدة يريدون أن يقيموا باكستانهم، يريدون أن يقيموا أرض أطهار في هذا البلد.

موقف حاد

* من المعروف أن إقبال درس وتعلم في الغرب (إنجلترا)، ومع هذا وقف في وجه الغرب والفلسفة الغربية ووقف ضد التغريب عندما انتهجه كل من شاه إيران أو مصطفى كمال أتاتورك، والسؤال ماذا يعني الغرب عند محمد إقبال؟

** منور: الغرب عند إقبال هو الثقافة الأوروبية، هو الروس والسويد وفرنسا وإنجلترا وأمريكا، وكل المناطق التي يسكنها المسيحيون، وقد اتخذ منهم موقفا حادا لأنهم كانوا استعماريين ومستغلين.

فالإنجليز عندما تسلطوا على شبه القارة الهندية نهبوا خيراتها وسفكوا دماء أهلها دون أن يبالوا بأي مبادئ أو أخلاق، فهم وإن كانوا يدعون الإيمان برسالة سيدنا المسيح عليه السلام، إلا أن سيرة المسيح لم تكن تشكل لهم المحور أو المركز.. فقد كانت عندهم سير الآلهة الإغريقية والآلهة الرومانية.

وأولئك الذين يؤمنون بأكثر من إله واحد هم أيضا في داخلهم متفرقون مشتتون، صحيح أنهم كانوا أقوياء، لكنهم كانوا حسودين مخادعين متآمرين، يسرقون ويخمرون ويقاتلون بلا مبرر وبغير حق، وباختصار فإن لب الألباب بأخلاقهم أنهم كانوا غير عادلين.

وهذه الناحية مترسخة في مزاج الغرب، سواء كانوا إنجليز أو فرنسيين أو بلجيكيين، فهم حيثما ذهبوا روعوا الناس وقتلوهم ونهبوهم، فقد نهبوا كل شيء كان المسلمون يفتخرون به في تراثهم.. نهبوا حتى فنونهم وكتبهم وملابسهم.

ولهذا جاء موقف إقبال حادا تجاههم، إلا أنه كان رجلا منصفا وعادلا متزنا، فقد كان يرى أن الغربيين يبحثون عن حقيقة الأشياء ويجهدون ويشقون للحصول عليها، ومن هنا كانوا متقدمين في مجال العلوم والتكنولوجيا، وهذا التقدم أعطاهم السلاح والمخترعات الجديدة، ولكنهم لم يستخدموها لمنفعة البشرية بل لإذلالها، وعاملوا الناس أسوأ معاملة بفضل قوتهم.

ولهذا كان العلامة إقبال يشجع ويحرض المسلمين على أن يجتهدوا بميادين العلم، وخصوصا العلوم الجديدة، ويتقنوها لكي يتفوقوا ويستطيعوا أن يقاوموا الاستعمار، وكان يقول: "الإنسان في هذه الدنيا لا يستطيع أن يميز بين الخير والشر؛ لأنه ليس هو بخالق نفسه، ولا يستطيع أن يغوص بأعماق نفسه ويعلم ما هو الخير الحقيقي وما هو الشر الحقيقي".



حسين عمر

حسين عمر: حتى نستطيع أن نعطي حكما على الآخرين قريبا من الدقة، ولا سيما في المسائل الاجتماعية، علينا أن نفهم تراثنا أولا، عقيدتنا، نفهم أصولها، تاريخها، قواعدها ونتمثلها ونستوعبها.. وبالتالي يكون لدينا قابلية وإمكانية الحكم على آراء وأفكار وعقائد الآخرين، وهذا ما طبقه إقبال عمليا، فقد ناقش إقبال مذاهب حكماء أوروبا وفلاسفتها ومشرعيها ومفكريها وقادتها وساستها؛ فناقش تولستوي، ماركس، هيجل، نيتشه، أينشتاين، لينين، القيصر وليم، كما ناقش بعض الشعراء المسلمين أمثال الرومي، غالب، السعدي، بمعنى أنه ناقش جملة آراء المفكرين ممن سبقوه أو من عاصروه، أراد من الحوارات الحديث عن العديد من المشاكل المعقدة التي يعاني منها الناس في كثير من بلدان العالم، ليحدث أولا ثورة في أعماقهم، تمكنهم من إيقاع الثورة في محيطهم، مصداقا لقوله تعالى: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ".

وأشير إلى أن التغريب عند العلامة إقبال لم يكن مقتصرا على أوروبا.. فمن الممكن أن يكون من قبل الهنادكة أيضا، ولهذا ناقش موضوع الهندوكية باستفاضة كبيرة.

كان الفارق بينه وبين الآخرين ثقافته التي تصارع في مواجهة ثقافة الآخرين، ولذلك عقد إقبال مجلس شورى إبليس في ديوانه "أرمغاني حجاز" (هدية الحجاز)، والذي كان آخر ما نظمه وطبع بعد مماته.

وفيه نرى إبليس كبيرا وحوله مستشاروه من الأبالسة، جملة من الأبالسة كل منهم يتحدث بطريقته عن أحكامهم للشر والإنجازات التي استطاعوا أن يتوصلوا إليها، والمخاطر التي تهدد مملكة الشر التي كانوا يسعون لأجلها، مثل التأثيرات التي أحدثتها العقائد الأخرى.

إقبال ناقش هنا موضوع المادية المحضة من خلال مناقشته لأفكار ماركس، ناقش موضوع الصوفية وتأثيرات العقائد المسلكية الهندوكية عليها، والذي ينظر إلى إقبال للوهلة الأولى يتخيل أنه ناقض الصوفية.. لكنه ناهض وناقض السكونية، وكان مع الحركة الإجرائية الغالبة المنتصرة.

لم يفهم إقبال أن نترك هذا العالم للآخرين ونحن لنا الآخرة، فهم إقبال أن نسخر هذه الحياة للمسلم المعتقد بإيمانه لبناء دولته على أرضه، ومن لم يكن لديه القدرة على حكم نفسه فأولى به أن يتحكم به الآخرون.

وقد سخر إقبال أيضا من المدنية الغربية قائلا: حق للعالم أن يخجل من مدنيته التي نشرت البلاء شرقا وغربا واتضح أمرها، في كل بادية وحاضرة وتحول ملاكها شيطانا رجيما.

مواجهة بالفعل لا الدعاء

* إقبال شاعر الذات الإنسانية وهو القائل إن الإنسان حر ولا عبودية إلا لله وحده، وإن إمكانات الإنسان لا تنمو ولا تتحقق إلا في ظل الحرية.. والسؤال كيف ترجم إقبال هذه الأقوال في مواقفه مع الاستعمار؟

** منور: كان موقف إقبال من الاستعمار موقفا معاديا؛ لأن الاستعمار يعني الاستغلال بكل معنى الكلمة.. فالمستعمرون يغيرون على أملاك الغير وينهبون أوطانهم، ولا يتوقف تأثير الاستعمار على النهب والسلب، فهو يدخل اليأس في قلوب المغلوبين والمقهورين، ويمسخ شخصياتهم رويدا رويدا.

فالشعوب المستعبدة المقهورة تصبح وكأنها أموات، صحيح أنها تتنفس ولكنها لا تحيا، وفي هذا يقول العلامة إقبال: في الأقوام المغلوبة يموت الذوق، يموت الشوق، فهم لا يفرقون بين السم والعسل، فكل فرد من الأقوام المستعمرة كالميت الذي يحمل نعشه على كاهله ويفتش عن قبره.. هو ظاهريا يحيا، ولكنه معنويا ميت.

ومن المعروف أن إقبال هو شاعر الذات الإنسانية، فالإنسان عنده أشرف وأسمى المخلوقات، والذين سببوا للإنسان الدمار واليأس هم في نظر إقبال سفاكو الدماء، ومن هنا كان موقف إقبال من الاستعمار موقف الإنسان ضد أعداء الإنسانية.

ومن جانب آخر كان يعادي الاستغلال في أي شيء كان، وفي أي زمان ومكان، كان يخاطب المسلم قائلا: "أيها الغافل.. أيها الأحمق.. أنت تظن وتتأمل أن يفهمك الغرب؟ أنت طائر في مخالب الصقر، فهل تظن أن الصقر سيفهم وسيسمع لطائر في مخلبه؟ صحيح أنني أعادي الغرب والاستعمار ولكني لا أرضى ضعفك ولا سكوتك.. هذا ضعف خلقته أنت، ولهذا فأنت أيضا مسئول".

** حسين عمر: إقبال واجه مشاكل المسلمين مواجهة واقعية وخطط لها خططا منهجية لاستيعابها، ومن هذا الباب وجدناه ينخرط في مواجهة المستعمر بأشكال متعددة نقلها من حالة الشعور والإدراك إلى حالة الإجراء والواقع والفعل.

بمعنى أنها لم تبق لديه شقشقة لسان وتمنيات وأدعية، ولكن طبقها وجسدها على أرض الواقع فعلا في حالة الخلافة، حينما وجد أنها حالة من حالات التمزق الإسلامي، وانخرط في بعض اللجان التي ناقشت القضية، فلما وجد أنها ليست إلا مضيعة للوقت دون أي جدوى فغادرها.

قضية أخرى بالنسبة لموضوع المشاكل التي كانت في شبه القارة الهندية في البداية قابلها إقبال بالهدوء والسكينة، فإقبال يملك تجربة شخصية كبيرة ويتعامل بحكمة وسياسة ودبلوماسية وبمرونة كبيرة مع المشاكل التي تحيط به.

saeed2005
10-06-2009, 12:43 PM
من روائع قصائده رحمه الله

كنا جبالا في الجبـــال وربما سرنا على موج البحار بحارا
بمعابــد الافرنــج كان أذاننـــا قبــل الكتائب يفتـــح الأمصارا
لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نــارا
وكأن ظل السيف ظل حديقـــة خضراء تنبت حولنا الأزهـارا
لم تخش طاغوتا مر بنا ولو نصب المنايا حولنـــا أســـوارا
و رؤوسنا يا رب فوق أكفنــا نرجو ثوابك مغنمــا و جــوارا
كنا نرى الأصنـــام مــن ذهــب فنهدمها ونهدم فوقها الكفـــارا
لو كان غير المسلمين لحــأزها كنزا وصاغ الحلي والدينـــارا

ومن الألى -حملوا بعزم أكفهم باب المدينة يوم غزوة خيبرا
أم من رمى نار المجوس فأطفئت وأبان وجه الحق أبلج نيرا
ومن الذي بذل الحيــاة رخيصــة ورأى رضاك أعز شىء فاشترى
نحن الذين إذا دعوا لصلاتهم والحرب تسقي الأرض جاما أحمرا
جعلوا الوجوه إلى الحجاز وكبروا في مسمع الروح الأمين فكبرا
ما بال أغصان الصنوبر قد نأت عنها قماريها بكــــــل مكـــان
وتعرت الأشجار من حلل الربى وطيورها فرت إلى الوديان
يــارب إلا بلبــلا لــم ينتظــــر وحي الربيع ولا صبا نيسان
ألحانه بحر جـــرى متلاطمـــا فكأنه الحاكــــي عن الطوفان
يا ليت قومي يسمعون شكاية هي في ضميري صرخة الوجدان
اسمعهموا يارب ما ألهمتني وأعد إليهم يقظة الإيمان
أنا أعجمي الدن لكن خمرتي صنع الحجاز وكرمها الفينان
إن كان لــي نغم الهنود ولحنهم لكن هذا صوت من عدنان

اسـكـندر
10-06-2009, 01:12 PM
رحمه الله
شاعر إسلامي يفتخر به كِل مسلم

ولد منصور
10-06-2009, 08:09 PM
جبتها على الجرح ياسعيد
الله يرحمه ويكثر من أمثاله ولاهنت على الموضوع

saeed2005
11-06-2009, 08:17 AM
مشكور أخوي اسكندر ومشكور أخوي ولد منصور على المرور والتعليق

وتبقى الدنيا حلوه
11-06-2009, 12:42 PM
مشكور أخوي

بومحمد911
11-06-2009, 01:12 PM
جزاك الله خير


ترك لنا إقبال ثروة ضخمة من علمه ( رحمه الله) قلما تركها أحد مات في مثل سنه ومن آثاره ـ أو ما وصل إلينا منها ـ: عشرون كتابًا في مجال الاقتصاد والسياسة والتربية والفلسفة والفكر وترك أيًضا بعض الكتابات المتفرقة وبعض الرسائل التي كان يبعث بها إلى أصدقائه أو أمراء الدول، ذلك إلى جانب روائعه من الشعر والتي استحق أن يسمى بسببها (شاعر الإسلام).

ويقول الشيخ أبو الحسن الندوي: "ومن دواعي العجب أن كل هذا النجاح حصل لهذا النابغة، وهو لم يتجاوز اثنين وثلاثين عامًا من عمره".

alanood
11-06-2009, 01:35 PM
يقول إقبال: مولانا محمد (صلى الله عليه وسلم) حل عقدة القومية بهجرته من وطنه في مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، فلو كان الوطن هو الأساس في القومية لدى المسلمين لما هاجر إلى المدينة، وبالتالي إذا اختلف وتصادم الدين والوطن وخيرنا بين الولاء للوطن أو الإخلاص للدين فإن الدين سيكون فـي المقام الأول.


رحمه الله

saeed2005
18-06-2009, 12:57 PM
الأخت الكريمة العنود شكرا على هذا الاقتباس الهام من كلام إقبال رحمه الله وهو في الحقيقة واقعا نعيشه إذ جعلت الوطنية بديلا عن الدين وكثير من حياتنا وتصوراتنا اليوم هي في الأساس مبنية على الوطنية المناقضة للدين ومن نظر حواليه في تقسيم الناس في الحقوق والواجبات وجد أن المعيار هو الوطنية وليس الدين نسأل الله السلامة والعافية