لعديد
03-05-2012, 04:17 PM
سؤال حيرني
النفس البشرية تتوق دائماً إلى المعرفة، والمعرفة ليس لها وجه واحد نتعرف على ملامحه، بل على العكس كلما دققت في تلك الملامح ازدادت حيرتك.
وأنت بين كل معرفة وأخرى تقطع مسافات ولكنك قد تعود إلى الصفر، ويظل التساؤل الكبير لماذا؟
هناك الكثير من القضايا التي شدتني إليها، وكنت أبحث فيها عن إجابة لتساؤلات تدور داخل نفسي، وعلى رأسها متى يجب أن يعاقب الكاتب على فكرته أو صاحب الرأي على مقولته؟ وهل يمكن أن تكون هذه الفكرة من الخطورة التي تؤدي إلى إهدار دمه؟
ومن الذي يجب أن يعاقبه؟
لماذا عوقب بعض الكُتاب؟
ولماذا لم يعاقب الآخرون؟!!
ولماذا انتشرت بعض الآراء والأفكار وطمس البعض الآخر منها، ووصل الأمر فيها إلى حرقها وحرق أصحابها!!
الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مدرسة فكرية وعقلية لم يعرف الإسلام لها مثيلاً، عاقب رجلاً يدعى الأصيبيغ يثير الفتنة بالدين.. أمر عمر فأتي بالناس والعلماء أمام أمير المؤمنين، وسأل الأصيبيغ أمام الناس جميعاً عما يسأل، فقال له الأصيبيغ كل الأسئلة التي تثير الفتنة وتحيره، وقال: أتجيبني يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، يا جلاد اجلد.
فأخذ الجلاد في جلد الأصيبيغ حتى اهترى ظهره، فقال عمر: خذوه فطببوه، وبعد مدة أخبر الطبيب عمر بشفاء الأصيبيغ، فقال عمر: ائتوني به، فقال له عمر: أشفيتَ؟ قال الأصيبيغ: نعم.
فقال: يا جلاد اجلد. فجلده حتى تقطع ظهره. فقال: خذوه فطببوه. وبعد مدة أخبر الطبيب عمر بشفاء الأصيبيغ، فقال عمر: ائتوني به، فقال له عمر: أشفيت؟ قال الأصيبيغ: نعم. فقال: يا جلاد اجلد. فجلده حتى كاد يموت، فقال عمر: خذه فطببوه، وبعد مدة أخبر الطبيب عمر بشفاء الأصيبيغ، فقال عمر: ائتوني به. فقال له عمر: أشفيت؟ قال الأصيبيغ: نعم. فقال عمر: يا جلاد، فقال الأصيبيغ: يا أمير المؤمنين إن كنت تريد أن تقتلني فاقتلني. قال: أتسأل عن هذه الأمور مرة أخرى؟ قال: لا. قال: فاذهب إلى الكوفة. فقال الأصيبيغ: ولمَ الكوفة. قال عمر: لأن بها أميراً لو ظهرت عنده فتنة لقتل صاحبها.
ومرت السنون ومات عمر، ثم مات عثمان، وتولى علي بن أبي طالب، وظهرت فتنة الخوارج، فقال واحد من أصحاب الأصيبيغ له: هؤلاء يسألون عن الذي كنت تسأل عنه زمان، فأشار بيده إلى ظهره، وقال: «أدبني الرجل الصالح».
بينما لم يعاقب الخليفة عثمان -رضي الله عنه- أهل الفتنة على آرائهم الضالة، فانتشرت بين المسلمين وشوشت أفكارهم، فكانت نهاية المطاف مقتل الخليفة، ولعل الذي دفع الخليفة عثمان إلى عدم معاقبتهم خوفه على الأمة من أن يتفرق أمرها، فرجل مثله اشترى الجنة مرتين مرة بماله ومرة بنفسه، ينادي الكثير من أرباب الفكر بإعطاء حرية مفتوحة مطلقة لكل الكتاب والأدباء والشعراء، وإذا كانت هناك خطوط حمراء فهي متعلقة إما بالذات الإلهية، أو الأنبياء، أو أرباب السلطة، أما باقي الأفكار، فلا يوجد حد فاصل فيها، فتثار بين وقت ووقت، ويصاحبها الكثير من الجدل، ولا يجرم أصحابها، وأشهرها قضية خلق القرآن، والتي راح ضحيتها عالم علماء المسلمين الإمام أحمد بن حنبل.
والسؤال لماذا لم يعاقب المتنبي وأبو العلاء المعري ونجيب محفوظ وطه حسين وابن سينا وهدى شعراوي وغيرهم كثير، بينما عوقب ابن رشد وعبد الله بن المقفع وبشار بن برد؟ هل هذا الأمر متعلق بالظروف السياسية أكثر مما هو متعلق بالقضاء الإسلامي؟
هل أهل السلطة هم من يشكلون الحماية لبعض الأشخاص فلا يستطيع العلماء تجريمهم؟ بينما إذا غضب عليهم أهل السلطة كان هناك دافع قوي لعقوبتهم!! هذا السؤال الكبير أنتظر فيه إجابة، ولعلي أطرحه والأمة تعج بكثير من الأفكار وبكثير من المتطاولين، وكلهم يحتمي تحت شعار حقوق الإنسان وحرية الرأي التي تستبيح كل شيء في الحياة، دون التقيد بقاعدة واضحة، قبلتهم في ذلك الغرب الجريء، وهو ضالتهم المنشودة «ألا ساء ما يحكمون».
تحياتي لكل الذين نوروا دروبنا بفكرهم العظيم المستقيم.
وقفة:
في الوقت الذي يعيرنا العالم بالخيمة نقول لهم إن هذه الخيمة هي التي أوت الفاتحين في أثناء الفتوح الإسلامية، ومنها انتشر نور الرسالة للعالم، وأما العنزة فنذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يرعى الغنم، وما من نبي إلا ورعاها، وأما الحفاة العراة فهم نواة الإسلام، وأرضهم معقل الرسالة، وفضلهم لا ينكره التاريخ.
منقول عن جريدة العرب
للكاتبة / سارة الخاطرhttp://www.alarab.qa/details.php?issueId=1602&artid=187326
النفس البشرية تتوق دائماً إلى المعرفة، والمعرفة ليس لها وجه واحد نتعرف على ملامحه، بل على العكس كلما دققت في تلك الملامح ازدادت حيرتك.
وأنت بين كل معرفة وأخرى تقطع مسافات ولكنك قد تعود إلى الصفر، ويظل التساؤل الكبير لماذا؟
هناك الكثير من القضايا التي شدتني إليها، وكنت أبحث فيها عن إجابة لتساؤلات تدور داخل نفسي، وعلى رأسها متى يجب أن يعاقب الكاتب على فكرته أو صاحب الرأي على مقولته؟ وهل يمكن أن تكون هذه الفكرة من الخطورة التي تؤدي إلى إهدار دمه؟
ومن الذي يجب أن يعاقبه؟
لماذا عوقب بعض الكُتاب؟
ولماذا لم يعاقب الآخرون؟!!
ولماذا انتشرت بعض الآراء والأفكار وطمس البعض الآخر منها، ووصل الأمر فيها إلى حرقها وحرق أصحابها!!
الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مدرسة فكرية وعقلية لم يعرف الإسلام لها مثيلاً، عاقب رجلاً يدعى الأصيبيغ يثير الفتنة بالدين.. أمر عمر فأتي بالناس والعلماء أمام أمير المؤمنين، وسأل الأصيبيغ أمام الناس جميعاً عما يسأل، فقال له الأصيبيغ كل الأسئلة التي تثير الفتنة وتحيره، وقال: أتجيبني يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، يا جلاد اجلد.
فأخذ الجلاد في جلد الأصيبيغ حتى اهترى ظهره، فقال عمر: خذوه فطببوه، وبعد مدة أخبر الطبيب عمر بشفاء الأصيبيغ، فقال عمر: ائتوني به، فقال له عمر: أشفيتَ؟ قال الأصيبيغ: نعم.
فقال: يا جلاد اجلد. فجلده حتى تقطع ظهره. فقال: خذوه فطببوه. وبعد مدة أخبر الطبيب عمر بشفاء الأصيبيغ، فقال عمر: ائتوني به، فقال له عمر: أشفيت؟ قال الأصيبيغ: نعم. فقال: يا جلاد اجلد. فجلده حتى كاد يموت، فقال عمر: خذه فطببوه، وبعد مدة أخبر الطبيب عمر بشفاء الأصيبيغ، فقال عمر: ائتوني به. فقال له عمر: أشفيت؟ قال الأصيبيغ: نعم. فقال عمر: يا جلاد، فقال الأصيبيغ: يا أمير المؤمنين إن كنت تريد أن تقتلني فاقتلني. قال: أتسأل عن هذه الأمور مرة أخرى؟ قال: لا. قال: فاذهب إلى الكوفة. فقال الأصيبيغ: ولمَ الكوفة. قال عمر: لأن بها أميراً لو ظهرت عنده فتنة لقتل صاحبها.
ومرت السنون ومات عمر، ثم مات عثمان، وتولى علي بن أبي طالب، وظهرت فتنة الخوارج، فقال واحد من أصحاب الأصيبيغ له: هؤلاء يسألون عن الذي كنت تسأل عنه زمان، فأشار بيده إلى ظهره، وقال: «أدبني الرجل الصالح».
بينما لم يعاقب الخليفة عثمان -رضي الله عنه- أهل الفتنة على آرائهم الضالة، فانتشرت بين المسلمين وشوشت أفكارهم، فكانت نهاية المطاف مقتل الخليفة، ولعل الذي دفع الخليفة عثمان إلى عدم معاقبتهم خوفه على الأمة من أن يتفرق أمرها، فرجل مثله اشترى الجنة مرتين مرة بماله ومرة بنفسه، ينادي الكثير من أرباب الفكر بإعطاء حرية مفتوحة مطلقة لكل الكتاب والأدباء والشعراء، وإذا كانت هناك خطوط حمراء فهي متعلقة إما بالذات الإلهية، أو الأنبياء، أو أرباب السلطة، أما باقي الأفكار، فلا يوجد حد فاصل فيها، فتثار بين وقت ووقت، ويصاحبها الكثير من الجدل، ولا يجرم أصحابها، وأشهرها قضية خلق القرآن، والتي راح ضحيتها عالم علماء المسلمين الإمام أحمد بن حنبل.
والسؤال لماذا لم يعاقب المتنبي وأبو العلاء المعري ونجيب محفوظ وطه حسين وابن سينا وهدى شعراوي وغيرهم كثير، بينما عوقب ابن رشد وعبد الله بن المقفع وبشار بن برد؟ هل هذا الأمر متعلق بالظروف السياسية أكثر مما هو متعلق بالقضاء الإسلامي؟
هل أهل السلطة هم من يشكلون الحماية لبعض الأشخاص فلا يستطيع العلماء تجريمهم؟ بينما إذا غضب عليهم أهل السلطة كان هناك دافع قوي لعقوبتهم!! هذا السؤال الكبير أنتظر فيه إجابة، ولعلي أطرحه والأمة تعج بكثير من الأفكار وبكثير من المتطاولين، وكلهم يحتمي تحت شعار حقوق الإنسان وحرية الرأي التي تستبيح كل شيء في الحياة، دون التقيد بقاعدة واضحة، قبلتهم في ذلك الغرب الجريء، وهو ضالتهم المنشودة «ألا ساء ما يحكمون».
تحياتي لكل الذين نوروا دروبنا بفكرهم العظيم المستقيم.
وقفة:
في الوقت الذي يعيرنا العالم بالخيمة نقول لهم إن هذه الخيمة هي التي أوت الفاتحين في أثناء الفتوح الإسلامية، ومنها انتشر نور الرسالة للعالم، وأما العنزة فنذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يرعى الغنم، وما من نبي إلا ورعاها، وأما الحفاة العراة فهم نواة الإسلام، وأرضهم معقل الرسالة، وفضلهم لا ينكره التاريخ.
منقول عن جريدة العرب
للكاتبة / سارة الخاطرhttp://www.alarab.qa/details.php?issueId=1602&artid=187326