قال الله تعالى في سورة الأعراف :(( {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}{{180}} )) وفي سورة الإسراء: (( {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}{{110}} )) وفي سورة الحشر:(( {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}{{24}} ))
ويرى جمهور العلماء أن أسماء الله غير محصورة في تسعة وتسعين اسما، قال الإمام النووي تعليقاً على قول النبي " إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر" متفق عليه.
قال: " واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه والله، فليس معناه: أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء.
وفي هذا الموضوع سنستعرض باذن الله تعالى اسماء الله الحسنى
من كتاب :
اسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
الشرح والتفسير

إعداد
د/ محمود عبد الرازق الرضواني
الأستاذ المساعد
بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة
كلية الشريعة وأصول الدين
جامعة الملك خالد
من موقع صيد الفوائد


(1) الرَّحْمَن :

الرحمن في اللغة صفة مشبهة وهي أبلغ من الرحيم ، والرحمة في حقنا رقة في القلب تقتضي الإحسان إلى المرحوم وتكون بالمسامحة واللطف أو المعاونة والعطف ، والرحمة تستدعي مرحوما فهي من صفات الأفعال.
والرحمن اسم يختص بالله ولا يجوز إطلاقه في حق غيره ، والرحمن سبحانه هو المتصف بالرحمة العامة الشاملة حيث خلق عباده ورزقهم ، وهداهم سبلهم ، وأمهلهم فيما خولهم ، واسترعاهم في أرضه ، واستأمنهم في ملكه ، واستخلفهم ليبلوهم أيهم أحسن عملا ، ومن ثم فإن رحمت الله في الدنيا وسعتهم جميعا فشملت المؤمنين والكافرين ، والرحمة تفتح أبواب الرجاء والأمل ، وتثير مكنون الفطرة وتبعث على صالح العمل ، وتدفع أبواب الخوف واليأس ، وتشعر الشخص بالأمن والأمان.
والله عز وجل سبقت رحمته غضبه ، ولم يجعل في الدنيا إلا جزءا يسيرا من واسع رحمته يتراحم به الناس ويتعاطفون ، وبه ترفع الدابة حافرها عن ولدها رحمة وخشية أن تصيبه ، روى البخاري من حديث أبي هريرة  أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( جَعَلَ الله الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا ، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ ) ، وفي رواية أخرى عند البخاري قال صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً ، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً ، فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْأَسْ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ ).
وورد عند البخاري أيضا من حديث عُمَر بن الخطاب  أَنَّهُ قَالَ : ( قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ بِسَبْيٍ ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ تَبْتَغِي ، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ ؟ قُلْنَا : لاَ وَاللَّهِ ، وَهِي تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِه ِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ).
فالرحمة التي دل عليها اسمه الرحمن رحمة عامة تُظهر مقتضى الحكمة في أهل الدنيا فمن رحمته أنه أنعم عليهم ليشكروا ولكن كثيرا منهم جاحدون قال تعالى :  وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ  [القصص:73] ، وقال :  وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً  [الفرقان:48] .
ولما كانت الرحمة التي دل عليها اسمه الرحمن رحمة عامة بالناس أجمعين فإن الله خص هذا الاسم ليقرنه باستوائه على عرشه في جميع المواضع التي وردت في القرآن والسنة ، قال تعالى :  الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى  [طه:5] ، ومن حديث أبي هريرة  أنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ) ، وذلك لأن الله فوق الخلائق أجمعين سواء كانوا مؤمنين أو كافرين ، فحياتهم قائمة بإذنه ، وأرزاقهم مكنونة في غيبه ، وبقائهم رهن مشيئته وأمره ومن ثم فإنه لا حول ولا قوة لهم إلا بقوته وحوله ، فهو الملك وهو الرحمن الذي استوى على عرشه ، ودبر أمر الخلائق في ملكه ، فلا يستغني عنه في الحقيقة مؤمن أو كافر ، قال تعالى :  الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً  [الفرقان:59].