بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تفسير لحديث (ناقصات عقل ودين )
معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب للب الرجل الحازم من إحداكن)
فقيل يا رسول الله ما نقصان عقلها،قال(أليست شهادة المرأتين بشهادة رجل)
قيل،يا رسول الله ما نقصان دينها، قال(أليست إذا حاضت لم تصل ولم تصم)
بين عليه الصلاة والسلام، أن نقصان عقلها من جهة ضعف حفظها وأن شهادتها تجبر بشهادة امرأة أخرى،وذلك لضبط الشهادة بسبب أنها قد تنسى فتزيد في الشهادة أو تنقصها،كما قال سبحانه(وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى)
وأما نقصان دينها، فلأنها في حال الحيض والنفاس تدع الصلاة وتدع الصوم ولا تقضي الصلاة، فهذا من نقصان الدين، ولكن هذا النقص ليست مؤاخذة عليه، وإنما هو نقص حاصل بشرع الله عز وجل، هو الذي شرعه عز وجل، رفقاً بها وتيسيراً عليها،لأنها إذا صامت مع وجود الحيض والنفاس يضرها ذلك، فمن رحمة الله شرع لها ترك الصيام وقت الحيض والنفاس والقضاء بعد ذلك،
وأما الصلاة فإنها حال الحيض قد وجد منها ما يمنع الطهارة، فمن رحمة الله جل وعلا ،أن شرع لها ترك الصلاة،وهكذا في النفاس، ثم شرع لها أنها لا تقضي،لأن في القضاء مشقة كبيرة،لأن الصلاة تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، والحيض قد تكثر أيامه، فتبلغ سبعة أيام أو ثمانية أيام أو أكثر، والنفاس قد يبلغ أربعين يوماً فكان من رحمة الله لها وإحسانه إليها،أن أسقط عنها الصلاة أداء وقضاء،
ولا يلزم من هذا أن يكون نقص عقلها في كل شيء ونقص دينها في كل شيء،

وإنما بين الرسول صلى الله عليه وسلم،أن نقص عقلها من جهة،
ما قد يحصل من عدم الضبط للشهادة،
ونقص دينها من جهة،ما يحصل لها من ترك الصلاة والصوم في حال الحيض والنفاس، ولا يلزم من هذا أن تكون أيضاً دون الرجل في كل شيء،
وأن جنس الرجال أفضل من جنس النساء في الجملة لأسباب كثيرة،
كما قال الله سبحانه وتعالى(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) لكن قد تفوقه في بعض الأحيان في أشياء كثيرة، فكم لله من امرأة فاقت كثير من الرجال في عقلها ودينها وضبطها،
وإنما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم،أن جنس النساء دون جنس الرجال في العقل وفي الدين من هاتين الحيثيتين اللتين بينهما النبي صلى الله عليه وسلم،وقد تكثر منها الأعمال الصالحات فتربوا على كثير من الرجال في عملها الصالح ،وفي تقواها لله عز وجل ،وفي منزلتها في الآخرة،
وقد تكون لها عناية في بعض الأمور فتضبط ضبطاً كثيراً أكثر من ضبط بعض الرجال في كثير من المسائل التي تعنى بها وتجتهد في حفظها وضبطها،وهذا واضح لمن تأمل أحوال النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم،وبهذا يعلم أن هذا النقص لا يمنع من الاعتماد عليها في الرواية،وهكذا في الشهادة إذ انجبرت بامرأة أخرى،
ولا يمنع أيضاً تقواها لله وكونها من خيرة عباد الله ومن خيرة إماء الله إذا استقامت في دينها،وإن سقط عنها الصوم في الحيض والنفاس أداء لا قضاء، وإن سقطت عنها الصلاة أداء وقضاء، فإن هذا لا يلزم منه نقصها في كل شيء من جهة تقواها لله،ومن جهة قيامها بأمره،
ومن جهة ضبطها لما تعتني به من الأمور،
فهو نقص خاص في العقل والدين كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي للمؤمن أن يرميها بالنقص في كل شيء وضعف الدين في كل شيء، وإنما هو ضعف خاص بدينها، وضعف في عقلها فيما يتعلق بضبط الشهادة ونحو ذلك، فينبغي إيضاحها وحمل كلام النبي صلى الله عليه وسلم،على خير المحامل وأحسنها،وبملاحظة الواقع يستبعد احتمال فهم نقصان العقل على أنَّه نقص فطري في القدرات العقلية والإمكانات الذهنية،
أن التاريخ قد أثبت أنَّ النساء قد فُقن الرجال أحيانًا في القدرات العقلية،
ومن ذلك، قبول رواية المرأة، فلا فرقَ في رواية الحديث بين رجل وامرأة طالما كانت عدلاً، فها هي أم المؤمنين عائشة سادت النساء والرِّجال بكثرة روايتها عن رسول الله، وبغزارة علمها،
قال الحافظ الذهبي، لم يؤثر عن امرأة أنَّها كذبت في حديث،
وقال الشوكاني،لم ينقل عن أحد من العلماء أنَّه رد خبر امرأة لكونها امرأة،من الصحابة،


ونقل القرآن عن النساء ما يُفيد رجاحة عقلهن،كقوله تعالى،
عن ابنة شعيب تحدث أباها عن موسى،عليه السلام(يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)القصص،
وهي لم ترَ موسى من قبل،فدل ذلك على رجاحة عقلها وصدق فراستها،

ومن ذلك رجاحة عقل أم سلمة،رضي الله عنها، ففي صلح الحديبية،لما فرغ رسول الله،صلَّى الله عليه وسلَّم،من كتابة المعاهدة،قال للمسلمين(قوموا، فانحروا، ثم احلقوا)وقالها ثلاثًا، فلم يقُم أحد، فغضب الرسول،صلَّى الله عليه وسلَّم،ودخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت،يا رسول الله، أتحب ذلك،اخرج، ثم لا تكلم أحدًا كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فقام الرسول،صلَّى الله عليه وسلَّم ،وخرج فلم يكلم أحدًا حتى نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلمَّا رأى الناسُ ذلك قاموا فنحروا إبلهم، وجعل بعضهم يحلق لبعض، حتى كاد بعضُهم يقتل بعضًا غمًّا)رواه البخاري،
والتاريخ يزخر بنُسوة اشتهر عنهن رجاحة العقل والحكمة والفهم والعلم،ومنهن،
الشفاء بنت عبد الله القرشية،وكانت مثالاً في العلم ورجاحة العقل،قال لها النبي،صلى الله عليه وسلم(علمي حفصة رقية النملة،كما عَلِّميها الكتابة)صححه الألباني،
وكان الخلفاء من بعد النبي،صلَّى الله عليه وسلَّم،يحرصون على استشارتها،

والمرأة في الإسلام، فكان من فضل الإسلام عليها أنَّه كرَّمها، وأكَّد إنسانيَّتها،وأهليتها للتكليف والمسؤولية والجزاء ودخول الجنة، واعتبرها إنسانًا كريمًا له كل ما للرجل من حقوق إنسانية،لأنَّهما فرعان من شجرة واحدة، وأخوان ولدهما أب واحد هو آدم، وأم واحدة هي حواء،

اللهم زينا بزينة الإيمان، وجملنا بمكارم الأخلاق، واجعلنا هداة مهتدين، وزينِّا بالسِّتر والعفاف وأعنا على العدل و الإنصاف و آمنَّا من كل ما نخاف ولا تعرضنا للبلايا و الآفات
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى،وزينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين،
اللهم آميـــن.