الفتوى،
جاء في الحديث (مَن كانت الآخرة هَمّه جَعل الله غِناه في قلبه ، وجَمَع له شَمْله ، وأتته الدنيا وهي رَاغِمة ، ومَن كانت الدنيا هَمّه جَعل الله فَقره بين عينيه ، وفَرَّق عليه شَمْله ، ولم يأته مِن الدنيا إلاَّ ما قُدِّر له) رواه الترمذي ، وحسّنه الألباني ،
وفي حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال ،سَمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول( مَن كانت الدنيا هَمّه فَرّق الله عليه أمْرَه ، وجَعَل فَقره بين عينيه ، ولم يَأتِه مِن الدُّنيا إلاّ ما كُتِب له ، ومَن كانت الآخرة نِيّته جَمَع الله له أمْرَه ، وجَعل غِناه في قَلبه ، وأتته الدنيا وهي رَاغِمة )رواه الإمام أحمد، وابن ماجه ، وصححه الألباني،
قال السندي ،وأتته الدنيا وهي راغمة ،
أي ،مقهورة ، فالحاصِل أن مَا كُتب للعبد مِن الرزق يأتيه لا مَحالة إلاّ أنه مَن طَلَب الآخرة يأتيه بلا تعب ، ومَن طَلَب الدنيا يأتيه بتعب وشِدة، فطالب الآخرة قد جَمَع بين الدنيا والآخرة ،فإن المطلوب مِن جَمْع المال ، الراحة في الدنيا ، وقد حصلت لِطالِب الآخرة، وطالِب الدنيا قد خَسِر الدنيا والآخرة ،لأنه في الدنيا في التعب الشديد في طلبها ، فأيّ فائدة له في المال إذا فاتَت الرَّاحة،
وفي الأثر، الزهد في الدنيا يُريح القلب والبَدَن ، والرغبة في الدنيا تُطيل الْهَمّ والحزن ،
قال ابن القيم ، ومِن أبلغ العذاب في الدنيا، تشتيت الشَّمْل ، وتفريق القلب ، وكَوْن الفقر نَصب عيني العبد لا يُفارِقه ،
ولا يلزم أن كل مَن دعا بِدُعاء استُجيب له، فقد تختلف صورة إجابة الدعاء ، وقد تُؤخَّر الإجابة ابتلاء واختبارا للعبد، هل يصبر على الدعاء أو يستحسر ويَترك الدعاء ، وقد يَمنَع مَانِع مِن إجابة الدعاء ،
قال ابن القيم ، إذا أصبح العبد وأمسى وليس هَمّه إلاّ الله وحده ، تَحَمّل الله سبحانه حَوائجه كلها ، وحَمَل عنه كل ما أهَمّه ، وفرّغ قلبه لِمَحَبّته ، ولِسانه لِذِكره ، وجَوارحه لِطاعته ،وإن أصبح وأمسى والدنيا هَمّه، حَمّله الله هُمُومها وغُمُومها وأنكَادَها ، وَوَكَله إلى نفسه ؛ فَشَغَل قلبه عن مَحبته بِمَحبّة الخَلْق ، ولِسَانه عن ذِكْره بِذِكرِهم ، وجَوارحه عن طاعته بِخدمتهم وأشْغَالِهم،
فإن الله عَزّ وَجَلّ قال (وَلَلآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى) ، ثم قال (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)
فمن آثَر وقدّم الآخِرة رضي الله عنه وأرضاه،
وكان مِن السّلَف مَن كانت الآخرة أكبر هَمّه ، فلم يسأل غير ما يُقرّبه إلى الله .